– بدا واضحاً خلال أسبوع مضى انقلاب الصورة في لبنان على مستوى المواقف السياسية والإعلامية للأطراف التي تصالحت مع عملية المقاومة في جرود عرسال ضدّ جبهة النصرة، وعودة إلى الخطاب العدائي للمقاومة، مهما اختلفت تعبيرات هذا الانقلاب، بما في ذلك العودة لدى البعض للتشكيك في صدقية عملية جرود عرسال وتصويرها كصفقة مسرحية، متجاهلين حجم الألم الذي يستبّبون به، والإهانة التي يوجّهونها لشركائهم في الوطن، وقد سقط في هذه المعركة شهداء لبنانيون اندفعوا لحماية وطنهم وتغاضوا هم عن مواقف لبنانية سهّلت تموضع الإرهاب وبرّرت وجوده وتعاملت معه، وعطلت أيّ قرار وطني لمواجهته طيلة سنوات تحت ذرائع مختلفة، ومن ضمن سيمفونية الانقلاب على صحوة الضمير وتلاوة فعل الندم، التلطي وراء شعار دعم الجيش للنيل من المقاومة، والتصويب عليها، والتشكيك في وطنية منطلقاتها، وصولاً لتجاهل نصف المعركة التي تخاض بالتوازي مع معركة الجيش اللبناني في الجرود وتستكمل أهدافها وتتكامل معها، وميدانها الجانب السوري من الحدود.
– لم يُخْفِ سماحة السيد حسن نصرالله بعضاً من المعلومات المتجمّعة لدى قيادة المقاومة عن وجود تدخل أميركي مباشر وراء هذا الانقلاب، ووجود أمر عمليات مفصّل لتجاهل معارك القلمون، والانخراط في حملات طعن بالمقاومة ومحاصرة خطابها ومحاولة تفكيك حالة التعاطف التي حازتها شعبياً وسياسياً وإعلامياً خلال معركة الجرود، وخير غطاء هو التلطي وراء دعم الجيش اللبناني، للقول ثبتت قدرة الجيش فلا حاجة للمقاومة، أو أثبت الجيش أنه قادر وحده على الحسم فلماذا التنسيق مع الجيش السوري، أو القول انتهت معادلة الجيش والشعب والمقاومة بعد معركة الجرود، وصولاً للقول إنّ مبرّر سلاح المقاومة قد سقط، وإنّ قتال حزب الله في سورية كان ورطة لبنانية، أو أنّ لبنان جزء من التحالف الدولي ضدّ داعش، وكلّ تحرك من خارج التحالف مرفوض، وهو تحالف لم يقدّم للبنان لا غطاء جوياً ولا دعماً تسليحياً ولوجستياً يتناسب مع حجم المعركة، بل وصل البعض لتهديد الذين لا يستجيبون بالوقوع في خطر الملاحقة بالعقوبات الأميركية المالية، أحزاباً وشخصيات ووسائل إعلام.
– لم يُضِع السيد وقته في مساجلات النظريات الفلكية الخرافية لهؤلاء جميعاً، فتحدّث بلغة الوقائع العنيدة التي لا تقاوَم. فسأل أولاً، هل هؤلاء هم أنفسهم الذين كانوا يقفون ضدّ قيام الجيش اللبناني بمواجهة الإرهاب، وهم أنفسهم الذين تأخّروا طويلاً للاعتراف بأنّ الإرهاب موجود وبقوا يسمّون الإرهابيين ثواراً حتى الأمس؟ ثم قال سنتخطّى الأمر، ونقول حسناً قبلتم أنّ هناك إرهاباً وأنّ الجيش يجب أن يُمنح تفويض خوض المعركة، فهل يمكن الحديث عن أمن واستقرار إذا تحرّر كلّ الجانب اللبناني من الحدود، ولو احتسبنا ما أنجزته المقاومة من تحرير للأراضي اللبنانية رصيداً للجيش، فكيف سيكون الوضع ما لم يتحرّر الجزء السوري من الأراضي التي احتلها الإرهاب على الحدود مع لبنان، خطوط تماس أم حرب استنزاف، أم أنّ لبنان معنيّ بتحرير الجزء السوري ليضمن استقراره وأمنه، وإذا كان معنياً كما يقول أيّ منطق بسيط طالما الاستقرار لا يتحقّق إلا بتحرير الجانبين المتقابلين من الحدود، فهل يعني هذا أنّ لبنان معنيّ من هذا الموقع بالنظر إيجاباً، على الأقلّ، لما يفعله الجيش السوري وما تفعله المقاومة على هذا الصعيد، ولو من موقع المصلحة بالحصول على الأمن والاستقرار، والاطمئنان الذي يُظهره البعض ناجم عن قولهم، ما دام الجيش السوري والمقاومة يفعلان ما يفعلانه فلنذهب للانتهازية والنفاق بإدارة الظهر واللامبالاة.
– السؤال إذا تواصلت المعارك لحسم عسكري يبدو مرجّحاً، وفقاً لقول السيد، فقمة مليحة قارة هي نقطة الحدود، مَن سيُحرّرها وكيف؟ وهل يمكن تحريرها بدون تنسيق بين الذي يقاتلون على طرفي الحدود، وإذا سلك الحلّ التفاوضي طريقه، وعنوانه الثنائي، ترحيل المسلحين وحلّ قضية العسكريين المخطوفين، فهل يمكن أن يكون أمام لبنان خيار ثالث، غير ارتضاء تولي المقاومة التفاوض لكي تضمن للبنان واللبنانيين كشف مصير العسكريين المختطفين وإعادتهم، لأنها من موقعها الوطني تحمل هذه المسؤولية ولأنها بحكم قتالها في سورية مع الجيش السوري تستطيع التنسيق لضمان تنفيذ أيّ اتفاق يتضمّن انسحاب المسلحين، أو ارتضاء التوجه بطلب رسمي للتنسيق مع سورية ليضمن قدرة التنفيذ لأي اتفاق سيتضمّن انسحاب المسلحين، كي يضمن القدرة على القيام بالتفاوض لضمان مستقبل قضية عسكرييه المخطوفين؟
– إنّ كلّ الطرق، وفقاً لخطاب السيد، تؤدّي إلى طاحونة الإقرار بأنّ العلاقة بين الجيش اللبناني والمقاومة والجيش السوري، وأنّ الإنجاز الذي يقترب عسكرياً أو تفاوضياً، بلغة الوقائع عن اليوم والأمس والغد، يقول إنه لولا قيام الجيش اللبناني والشعب اللبناني والجيش السوري والشعب السوري ومعهم المقاومة بما قاموا به لما كان النصر أو يكون، فإذا كان الإنجاز مديناً لهذا التشارك واستكماله وقفاً على التنسيق، فلا مكان لنقاش افتراضي حول ما إذا كان الاستغناء عن المقاومة أو عن العلاقة مع سورية سيحقق الحماية والاستقرار للبنان إلا في معارك بهلوانية كتلك التي يخوضها أصحاب هذا المنطق.